بسم الله الرحمن الرحيم ..
ابدأ اليوم طرح اول مقالة من عدة مقالات ستكون بعنوان ” الرد الحاد على شبهات الالحاد ” في كل مقالة سأستعرض شبهة من الشبهات الفكرية المؤدية للإلحاد.
العدل الالهي – مقدمة – ..
لعل السبب الرئيس والمشترك بين كل من انكر وجود اله لهذا الكون هي عدم قدرتهم تفسير كيف يكون هذا الاله عادل وهنالك
اطفال يموتون بشكل متواصل من جراء الشرور المتجسدة في الطبيعة احيانا وفي الانسان نفسه احيانا اخرى، كيف يكون هنالك عدل في هذا الوجود إن كان هنالك ظلم ايضا، ولماذا هذا الاله العادل لا يتدخل؟.
الإشكالية في من اعتقد بهذا الاعتقاد انه في الحقيقة لا يستطيع ان يفهم الخطة الرئيسية لهذا الوجود ، نطرح السؤال الأول..
هل وجودنا في هذا الكون قائم على الفناء ام الخلود؟ بمعنى اوضح، هل وجودك اليوم كـ إنسان، مؤقت ام ابدي ؟ طبعاً وجود كل فرد منا على هذا الكوكب وهذا الكون هو وجود مؤقت يأتي من بعده وجودا ابدي، قد يتسائل البعض، لماذا؟ لماذا يجب علينا
ان نمر بوجود مؤقت كي نصل للوجود الابدي ؟
جواب هذا السؤال هو نفسه جواب لكل من لم يستطع تقبل فكرة وجود اله عادل ووجود شرور في هذا العالم ..
وجودنا المؤقت هذا، ضروري جدا لتحقيق ” العدل الإلهي ” هل تتصور من العدل ان يفلت مجرمين عبر التاريخ مثل هتلر بفعلتهم
قمة العدل الالهي ان لا يستوي من عمل خيرا بمن عمل شراً. لكن قد يتسائل البعض ايضا لماذا لا يجعل الله هذا الكون عادل ويمنع كل هذه الشرور التي نراها اليوم؟ ببساطة لإن العدل الوجودي في هذا الكون مستحيل التحقق حيث ان الكون كله قائم على قاعدة الفناء والهلاك ، والتي تساوي بين كل المخلوقات الحية، كل من عمل صالحا او لم يعمل سيموت، شئت ام ابيت ستموت مما يوضح لنا بما لا يدع مجالا للشك ان وجود الإنسان اليوم ليس وجود غاية وإنما وجود سبيل، وجود الإنسان ليس إلا وجوداً مؤقتاً.
.
ومقارنة هذا الانسان بكل هذا الكون العظيم يثبت لنا ان وجود الانسان او عدمه لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة لكل الكون، مما يعني وجودك كإنسان لا يشكل اي فرق في هذا الكون العظيم الا لشخص واحد .. هو انت
الحياة لا تكون حياة إلا بالموت، فالموت هو محرك الحياة، هو السبب الذي يدفع الانسان لاتخاذ القرارات المصيرية
بدون الموت لن نجوع ، لن نحتاج للنوم ، لن نخاف ، تصرفاتنا البويولجية قائمة على صراع البقاء والفناء حتى على مستوى
الخلايا ، فـ هنالك خلايا مخلقة تؤدي عملا محددا ، وفي اي لحظة قد تتحول هذه الخلايا الى خلايا غير مخلقة ” خلايا سرطانية ” تبدأ بالتدمير وتنتهي الى الموت، حتى ان الخلايا جميعها تشترك بخاصية ” الاوتوسوم ” او موت الخلية المبرمج ، كل خلية لها موعد محدد، ان جاء ماتت على الفور ” من تلقاء نفسها “، هكذا تعمل كل المخلوقات الحية على قاعدة الفناء والهلاك.
اذا كيف من الممكن ان تخيل ان يكون هنالك عدل مطلق وابدي في كون قائم على مبدأ العدمية والفناء ؟ العدل وعد به الله
في الاخرة، لإن هنالك كون مختلف تماما لا يقوم على مبدأ الفناء والهلاك ، بل يقوم على مبدأ الوجود الابدي ، هنالك تلقى كل نفس ماعملت، ويلقى الاشرار شرهم ، ويلقى الاخيار خيرهم، وهنالك فقط يتحقق العدل الالهي والعدل الوجودي ، ليس هنا
قد يتذاكى البعض ويطرحوا السؤال التالي ” لماذا – سمح الله – ان يكون هنالك عالم قائم على مبدأ ان الجميع سيموت حتى
من عمل صالحا سيكون مصيره مثل من افسد في الارض ” واجابة هذا السؤال من كتاب الله مباشرة
” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا ”
سورة الملك، اية ٢
– شر الطبيعة وشر الانسان وعدل الله –
شرور الانسان وافعاله هي باختياره تماما ، كل انسان اليوم يملك عالمه الخاص ، يملك عقله الخاص، كلن يرى هذا الوجود بطريقته الخاصة كلن بنى عالمه وفق اختياراته هو حتى لو اعتقد انها ليست اختياراته ، فالذي يتلقى الاوامر من احد وينفذها دون ان يكون له رأي ، في الحقيقة هو اختار هذا لنفسه بشكل او بأخر . ” كل انسان حر تماما ، حتى من اعتقد انه ليس كذلك ” ، لن يكون هنالك عدل اذا تساوى الجميع في المصير ، والموت في ظاهره يشير الى ان الجميع سواسية ، وهذا بالنسبة للإنسان قمة اللاعدل ، لذلك الايمان بالبعث هي من اساسيات فهم العدل الالهي، والكثير اليوم ينكرون البعث ، ويستغربون كيف من الممكن
ذلك ، لعلهم نسوا من خلقهم اول مرة ..
، :
وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
طبيعة الوجود قائمة على الاضداد ( خير شر ، موجب سالب ، ذكر انثى … الخ ) اود التنبيه بإن الخير والشر هي معاني انسانية بحتة لا تقبلها الطبيعة المادية ، الخير والشر ليسوا مشخصين ( ليسوا ماديين ) وانما هم معاني انسانية بحتة ، فـ حين نتكلم عن شرور الطبيعة ، هي من تلقاء نفسها ليست شرور انما ” وجود ” لكنها بالنسبة لنا قد تكون شر او خير .. الامراض بالنسبة لنا كبشر فـ هي شر ، ولكن بالنسبة للوجود
فالامراض ” وجود” ليست خيرا وليست شرا ، فـ لذلك فـ نحن حينما نتحدث عن شر الطبيعة ، نعني الشر من منظور الانسان ، هنالك الكثير من الاطفال يولدون بتشوهات خلقية او امراض مزمنة واحيانا الاثنتين معاً ، هل هي شر؟ سأجيب من منظورين ، منظور الملحد ومنظور المؤمن ، سيقول الملحد ان هذا شر وان هذا دليل ان الله غير موجود ، وسيقول المؤمن ان ههذا ابتلاء وظرف مؤقت لإن وجود هذا الطفل ليس ابدي وفي النهاية سيموت وسيبعثه ربه على هيئة مختلفة تماما سليمة ولا يوجد بها عيوب .. المنهج الايماني هو منهج يكمل بعضه بعضا ويعطي كل الاجابات المهمة ، إشكالية طرح الملحد لشبهات الامراض وشرور الطبيعة تكمن في انه ينسف حقائق ايمانية مثل البعث ثم يبني اسئلة مبنية من نتائج هدم ايمانية البعث والحساب ، الوجود اليوم وجود مؤقت وليس وجود ابدي ، ويتجه هذا الوجود الى نهاية حتمية ، بالتالي ما يهم الانسان فعلاً هو ما بعد هذا الوجود ” البعث والحساب ” اما خلود وفوز عظيم ، او خلود وحسرة عظيمة ، فـ بالتالي طرح ” شر الطبيعة ” على انه اثبات ان الله غير مموجود هو سطحية ، لان الكون قائم على المتضادات ، وهذا الكون مؤقت وليس هو المصير وومفهوم العدل لايكون على وجودممؤقت ، وانما على وجود ابدي
علم الله المسبق
يولد الانسان والله يعلم مسبقا بجميع الاختيارات التي سيختارها هذا الانسان، لكن اذا كان الله يعلم كل شيء لماذا يجب علينا
ان نولد ونموت ونحاسب مع ان الله يعلم تماما ماذا ستكون اختيارتنا.
في البداية علينا ان نُفرِّق بين قضاء الله وبين علم الله ، الله يعلم انك ستختار الخيار س مثلا، لكن من الذي اختار؟ انت الذي
اخترت وليس الله الذي اختار عنك، كيف من الممكن ان الله يعلم كل شيء عني ، سيجيب البعض لانه الله ، وسيطلب البعض اجابة اوضح ، كيف يعلم الله مسبقا كل شيء ؟ هنا يجب علينا ان نحاول فهم ” الزمن ” لانه هو المفتاح للاجابة على هذا
السؤال ، كان يعتقد في الفيزياء الكلاسيكية ان الزمان مطلق ، بمعنى ان الزمن ثابت في كل الكون ، وهذا ما ادحضته نسبية
اينشتاين حيث تنص بإن الزمن نسبي يختلف باختلاف السرعة ، ومن الممكن جدا لو كنت على كوكب اخر ان تكون ” السنة ” بالنسبة لساعتك ، هي 50 سنة لمن هم في الارض ، بمعنى اخر الزمن ماهو الا من مخلوقات الله والله فوق الزمن ولا تسري
عليه قوانين الزمان والمكان التي تسري على مخلوقاته .. اي ان الله تعالى متعالي على الزمان والمكان وبالتالي هو يعلم الماضي ويعلم الحاضر ويعلم المستقبل كله في نفس الوقت .. علم الله المسبق لا يعني انه اختار لك كل شيء وانت وجدت لتعيش ما اختاره لك .. ابدا ، بل يعني ان الله اوجد كل الاختيارات وانت من سيختار احدى هذه الخيارات ،
اذا لماذا لم يخلق الله اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار دون الخوض في الحياة الدنيا؟ الاجابة هي لإن الله عادل ولإن الله يريد ان تقام الحجة على الإنسان .. مثلا هنالك دكتور اقام اختبار نهائي لمادته ، هو يعلم مسبقا ان الطالب س ذكي جداِ
وسيتجاوز الاختبار .. ويعلم ان الطالب ص ليس ذكي بما يكفي ولن يتجاوز الاختبار ، هل العدل ان ينجح الطالب س ويرسب الطالب ص من دون اجراء الاختبار؟ اذا ما الهدف من الاختبار ؟ الهدف منه التمييز بين الناجح والراسب بناء على نفس المعايير ، والهدف الاخر ان يكون الاختبار حجة على من رسب ، لإنه اعطي الفرصة ولكنه لم يستغلها بشكل جيد ، هكذا بالضبط هي الحياة الحالية، عبارة عن اختبار .. يعلم الله مسبقا من سينجح به ومن سيفشل .. ولكن كان لابد من هذا الاختبار ان
يحدث ، لئلا يدعي من يفشل انه ظُلم .. وايضا ليستحق اهل الفوز فوزهم ، وفي النهاية اختم بقوله تعالى
( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )
سور النحل، اية 118